ثلاث دول تنتفض: المالديف وبنغلادش والنرويج في صفّ فلسطين
بقلم: المحامي عمر زين*
يُشكّل قرار جزر المالديف بمنع دخول الصهاينة إلى أراضيها، إلى جانب قيام بنغلادش بشطب اسم “إسرائيل” من جوازات سفر مواطنيها، مؤشراً بارزاً على تصاعد التوجّه السياسي الهادف إلى تعميق العزلة الدبلوماسية المفروضة على الكيان الصهيوني. ويُمثل هذا الاتجاه خطوة لافتة ضمن سياق الضغوط الدولية المتنامية لتقليص الاعتراف بإسرائيل ومقاطعتها على المستويين الرسمي والشعبي، بما يعكس موقفًا متقدّمًا في دعم الحقوق الفلسطينية ومناهضة سياسات الاحتلال. كما يمنح هذا التوجّه زخماً جديداً للقضية الفلسطينية في مواجهة محاولات التطبيع والالتفاف على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وفي تطور نوعي، أعلنت النرويج بتاريخ 28 أيار 2024، اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، ووصفت هذه الخطوة بأنها “منعطف مفصلي” في مسار علاقتها مع الفلسطينيين. وقد صرّح وزير الخارجية النرويجي، إسبن بارث إيدي، بأن الاعتراف يأتي دعمًا لحل الدولتين بوصفه السبيل الواقعي لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، مؤكداً على أهمية الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتعزيز مكانته في المحافل الدولية.
تبرز أهمية هذا الاعتراف النرويجي من خلال عدة أبعاد: أولاً، كونه إعلاناً صريحاً عن دعم الحق الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة ورفضاً واضحاً لسياسات الاستيطان والانتهاكات المستمرة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي. ثانيًا، يأتي هذا القرار في وقت تتجه فيه بعض الدول العربية والإسلامية نحو مسارات التطبيع، ليؤكّد أن هناك قوى دولية ما تزال متمسّكة بالمبادئ وترفض القفز فوق الحقوق الفلسطينية. وثالثًا، تحمل هذه الخطوة رسالة قوية للمجتمع الدولي تدعو إلى إعادة النظر في مواقفه المتراخية تجاه إسرائيل، وتدفع نحو مقاربة عادلة تنهي الاحتلال وتُفضي إلى تسوية سياسية حقيقية.
وعلى صعيد الدلالات، يُعدّ هذا التوجّه جزءًا من مسار متصاعد لعزل إسرائيل دوليًا، وهو ما من شأنه إحداث تحوّل في بيئة العلاقات الدولية، ويدفع باتجاه حلول أكثر إنصافًا وعدلاً. كما يمكن لمثل هذه المبادرات أن تشجّع دولًا أخرى ما تزال متردّدة على اتخاذ مواقف مماثلة، مما يعزّز من مستوى التنسيق الدولي المناهض لسياسات الاحتلال. أما على المستوى الشعبي، فإن ردود الفعل المرحّبة بهذه القرارات تُظهر مدى تأثيرها الإيجابي في تعزيز الدعم الجماهيري للقضية الفلسطينية، خاصة لدى المجتمعات التي ترى فيها مواقف شجاعة تتحدّى الظلم والانتهاكات المستمرة.
ولتحقيق نتائج أكثر فاعلية، لا بدّ من البناء على هذه الخطوات من خلال حشد دعم أوسع لعزل الكيان الصهيوني على المستوى الدولي، عبر تبنّي سياسات دبلوماسية نشطة من الدول المؤيّدة، والتواصل مع الرأي العام العالمي ومنظمات المجتمع المدني لتسليط الضوء على أبعاد هذه القرارات وأهميتها في سياق الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة الدولية. كما يمكن تعزيز هذا التوجّه بإطلاق حملات إعلامية وفكرية واسعة تدعو إلى مقاطعة إسرائيل ورفض التعامل الاقتصادي والتجاري معها، إلى جانب تنظيم فعاليات توعوية تُبرز معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال.
ويُشكّل دعم حركات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ركيزة أساسية في هذه الاستراتيجية، لما لها من تأثير ملموس على الاقتصاد الإسرائيلي وعلى صورته في المحافل الدولية. وبالتوازي مع ذلك، يجب توثيق التعاون مع الدول الرافضة للاحتلال والداعمة للحقوق الفلسطينية، سواء عبر تنسيق سياسي فاعل أو من خلال شراكات اقتصادية ومؤسساتية مشتركة. كما يُعدّ الانخراط في المنظمات الدولية، وفي مقدّمتها الأمم المتحدة، خطوة ضرورية لدفعها إلى اتخاذ مواقف أكثر حزمًا تجاه جرائم الاحتلال.
وأخيرًا، فإن توحيد مواقف الدول العربية والإسلامية يمثل ركيزة حاسمة لمضاعفة الضغط السياسي والدبلوماسي على إسرائيل، وتعزيز الحصانة السياسية للدول التي ترفض التطبيع.
من خلال هذا المسار المتكامل، يمكن للدول والمؤسسات والمجتمعات أن تُسهم بفاعلية في ترسيخ عزلة الكيان الصهيوني، وتوسيع دائرة الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، بما يقرّبها من نيل حقوقها المشروعة، ويعيد الاعتبار لقيم العدالة وحقوق الإنسان التي غابت طويلاً عن مشهد الصراع في الشرق الأوسط.